الأربعاء، 17 أبريل 2013

الحطيئة وهجائه

هو أبو مُلَيْكة جرول بن أوس بن مالك العبسي المشهور بـ الياس شاعر مخضرم أدرك الجاهلية وأسلم في زمن أبي بكر. ولد في بني عبس دعِيًّا لا يُعرفُ له نسب فشبّ محروما مظلوما، لا يجد مددا من أهله ولا سندا من قومه فاضطر إلى قرض الشعر يجلب به القوت، ويدفع به العدوان، وينقم به لنفسه من بيئةٍ ظلمته، ولعل هذا هو السبب في أنه اشتد في هجاء الناس، ولم يكن يسلم أحد من لسانه فقد هجا أمّه وأباه حتى إنّه هجا نفسه.

حبسه في السجن

كان سبب حبسه أن الزبرقان بن بدر التميمي سيد قومه عَمِل للنَبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبي بكر وعمر، وكان يجمع زكاة قومه ويؤديها لهم. وقد أشتكى لعمراً لما هجاه الحطيئة. فقال له عمر وما قال لك: قال: قال لي
دعِ المكارمَ لا ترحلْ لبغيتها
واقعـدْ فإنّك أنـت الطاعمُ الكاسي
فقال عمر: ما أسمع هجاء ولكنها معاتبة. فقال الزبرقان: أو لا تبلغ مروءتي إلا أن آكل وألبس! والله يا أمير المؤمنين ما هُجيت ببيت قط أشد عليَّ منه. فدعا عمر حسان بن ثابت وسأله: أتراه هجاه؟ قال حسان: نعم وسلح عليه! فحبس عمر الحطيئة، فجعل الحطيئة يستعطفه ويرسل إليه الأبيات، فمن ذلك قوله:

ماذا تقول لأفراخٍ بذي مرخٍ
زغبُ الحواصلِ لا ماءٌ ولا شجرُ
 
فلم يلتفت إليه عمر، حتى أرسل إليه الحطيئة:

ألقيت كاسبَهم في قعر مُظلمة = فاغفر، عليك سلام الله يا عمر 
إمامُ الذي من بعد صاحبه = ألقى إليك مقاليدَ النُّهي البشرُ
لم يؤثروك بها إذ قدّموك لها= لكن لأنفسهم كانت بك الأثرُ
فامنن على صبيةٍ بالرَّمْلِ مسكنُهم = بين الأباطح يغشاهم بها القدرُ
نفسي فداؤك كم بيني وبينَهُمُ = من عَرْضِ واديةٍ يعمى بها الخبرُ
 
قال عمر: فإياك والمقذع من القول فقال الحطيئة: وما المقذع؟ قال عمر: أن تخاير بين الناس فتقول فلان خير من فلان وآل فلان خير من آل فلان؛ قال الحطيئة: فأنت والله أهجى مني. ثم قال له عمر: والله لولا أن تكون سُنّة لقطعت لسانك. فاشترى عمر منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم، وأخذ عليه عهداً ألا يهجو أحداً ولكن يقال أنه رجع للهجاء بعد استشهاد عمر بن الخطاب .
قال عن أمه:
تنحي فاقعدي مني بعيداً
أراح الله منك العالمينا
ألم أوضح لك البغضاءَ مني
ولكن لاأخالُكِ تعقلينا
أغربالاً إذا استودعت سراً
وكانوناً على المتحدثينا
جزاك الله شراً من عجوز
ولقاك العقوق من البنينا
حياتكِ ماعلمت حياةُ سوء
وموتُكِ قد يـسرُّالصالحينا

وقال لأبيه:

فنعم الشيخ أنت لدى المخازي
وبئس الشيخ أنت لدى المعالي
جمعت اللؤم لا حياك ربي
وأبواب السفاهة والضلال
وقال يهجوا نفسه:
أبت شفتاي اليوم إلا تلكماً
بهجو فما أدري لمن أنا قائله
فرأى وجهه في الماء فقال:
   أرى اليوم لي وجهاً فلله خلقه
فقبح من وجه وقبح حامله
وعندما مات أوصى أن يعلق هذا على كفنه:

                 لا أحدٌ ألأم من حطيئة
هجا البنين وهجا المريئة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق